1 min read
العودة إلى سوريا لا تزال غير آمنة: قراءة في حكم قضائي ألماني حديث
Von © Raimond Spekking / CC BY-SA 4.0 (via Wikimedia Commons), CC BY-SA 4.0

العودة إلى سوريا لا تزال غير آمنة: قراءة في حكم قضائي ألماني حديث

لا يزال الاتحاد الأوروبي يواجه صعوبات في كيفية التعامل مع طلبات الحماية المقدمة من السوريين بعد عام من سقوط حكومة الأسد. ففي 31 تشرين الأول/أكتوبر 2025، أصدرت المحكمة الإدارية في كولونيا بألمانيا قرارًا بشأن طالب لجوء سوري كان قد رُفض طلبه للحماية في البداية من قبل المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللاجئين. وبعد أن تقدّم طالب اللجوء بطعن في القرار، أصدرت محكمة كولونيا تدابير مؤقتة قضت بتعليق أمر الترحيل وفتح ملف القضية للنظر في حيثياتها.

خلصت المحكمة إلى أن المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللاجئين لم يأخذ بعين الاعتبار على نحو كافٍ الظروف الفردية لطالب اللجوء عند تقييم ما إذا كان سيتعرّض لخطر المعاملة اللاإنسانية أو المهينة في حال إعادته إلى سوريا. ورأت المحكمة أن وجود مثل هذا الخطر يُشكّل انتهاكًا للمادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وفي هذه الحالة، كان يجب على المكتب منح حظر الترحيل بموجب القوانين الداخلية الألمانية {المادة 60 الفقرة (5) و(7)} من قانون الإقامة.

أوضحت المحكمة في قرارها أن الأوضاع الإنسانية المتدهورة لا تُشكّل سببًا لحظر الترحيل بموجب المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان إلا في ظروف استثنائية، تتطلب مستوى عالٍ جدًا من الضرر الذي قد يلحق بالفرد. ويستوجب تحديد ما إذا كان مستوى الضرر قد بلغ الحد المطلوب، إجراء تقييم فردي يأخذ في الاعتبار عوامل عدة، من بينها الالتزامات المعيشية لطالب الحماية، والمنطقة التي يُعتزم العودة إليها، والخلفية المهنية، والقيود الجسدية، إضافةً إلى شبكات الدعم العائلي أو الاجتماعي المتاحة له.

وأشارت المحكمة إلى أن السوابق القضائية الصادرة عن المحكمة الإدارية الاتحادية، ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تُبيّن أن العودة لا تُعتبر كريمة إذا تعذّر تلبية الاحتياجات الأساسية للفرد بسبب الفقر المدقع، بما في ذلك الغذاء والنظافة والمأوى، . ومع ذلك، ورغم إقرار المحكمة بأن سنوات النزاع في سوريا قد تسببت في دمار اجتماعي واقتصادي بالغ، وتدمير واسع النطاق للبنية التحتية، وظروف اقتصادية متردية مزمنة، وانعدام الأمن الغذائي، واعتماد شريحة واسعة من السكان بشكل كبير على المساعدات الإنسانية، أوضحت المحكمة أنه لن يكون هناك انتهاك للمادة 3 إذا كان الفرد قادرًا على كسب "دخل زهيد" من خلال العمل غير المنتظم و"تأمين معيشة بالكاد تكفي للبقاء على قيد الحياة".

وكما أوضح المركز السوري للعدالة والمساءلة سابقًا، فإن شروط العودة الآمنة والكريمة غير متوافرة حاليًا في سوريا، بسبب عقبات هيكلية لا يمكن تعويضها بشكل فعلي من خلال الحوافز المالية المحدودة التي تعرضها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولا من خلال "دخل زهيد" قد يتمكّن الفرد من تحصيله عند عودته إلى سوريا. وتشمل هذه العقبات الهيكلية انتهاكات حقوق السكن والأراضي والممتلكات، ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، وتضرّر البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، فضلًا عن مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة.

وتتوافق نتائج المركز السوري للعدالة والمساءلة مع المعلومات التي أوردتها جهات فاعلة أخرى أيضًا. فعلى سبيل المثال، أشارت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء في توجيهاتها المُحدَّثة بشأن سوريا، الصادرة في 2 كانون الأول/ديسمبر 2025، إلى أن استدامة عودة اللاجئين من الخارج «محدودة للغاية». وأوضحت الوكالة أن العائدين لا يزالون يواجهون صعوبات في الوصول إلى الخدمات الأساسية وفرص كسب العيش، حيث تمثّلت أبرز التحديات التي ذكرها العائدون في البطالة، وارتفاع تكلفة المعيشة، وسوء البنية التحتية والظروف المعيشية، ونقص الدعم الإنساني والتنموي، وهي عوائق هيكلية لا يمكن للدخل المالي المحدود تعويضها.

علاوة على ذلك، تواصل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الدعوة إلى وقف عمليات الإعادة القسرية، مطالِبة الدول بالامتناع عن إعادة الأفراد إلى سوريا بسبب الانتهاكات العديدة التي ستستغرق وقتًا لمعالجتها، بما في ذلك استمرار العنف، والنزوح الداخلي واسع النطاق، وغيرها من المخاطر القائمة.

وتُشكّل عمليات الإعادة المبكرة والقسرية خطرًا إضافيًا على استقرار سوريا، وقد تُعرّض العائدين لمعاملة لا إنسانية ومهينة. فبعد أكثر من عقد من النزاع، لن تُحلّ العقبات الهيكلية المزمنة التي يواجهها السوريون، والتي تتفاقم بسبب عوامل المخاطر الفردية، بين عشية وضحاها، بل تتطلب وقتًا وجهدًا مستمرين. ولن تتمكن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من الوفاء بالتزاماتها بحماية الحقوق الأساسية إلا من خلال ضمان عودة آمنة وكريمة للسوريين، والامتناع عن عمليات الإعادة المبكرة والقسرية، ومنح سوريا الوقت اللازم لتحقيق تعافٍ مستدام.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.