1 min read
"دفنوهم بصمت" تشابكات مع محاكمة علاء م

"دفنوهم بصمت" تشابكات مع محاكمة علاء م

كشفت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا في أحدث تقاريرها، المعنون بـ "دفنوهم بصمت"، النقاب عن الظروف المروّعة التي تعرّض المعتقلون لها في مشفى تشرين العسكري. ويُظهر التحقيق الوافي في التقرير دور المخابرات العسكرية السورية، والشرطة العسكرية، والكوادر الإدارية والطبية في تعذيب المعتقلين وإعدامهم، وكيفية التخلّص من جثامين المتوفَّين في مقابر جماعية. ويأتي التقرير الصادر عن الرابطة في الوقت المناسب لما لتفاصيله من صلة وروابط بمحاكمة علاء م. الجارية حالياً في ألمانيا، وهو طبيب سوري أُسندت إليه 18 تهمة بارتكاب التعذيب والقتل أثناء عمله في مشفى عسكري تابع للنظام في حمص.

1. ممارسة التعذيب وارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان بشكل منهجي:

يكشف التقرير النقاب عن وجود ممارسة منهجية للتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان بحق المعتقلين في مشفى تشرين العسكري. ويورد الناجون والشهود إفادات صادمة عن أشكال الرعب التي مرّوا بها بما في ذلك التعرض للضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، والعنف الجنسي، والإساءة النفسية. وتولّى ممارسة أفعال التعذيب بحقهم عناصر الأمن بتواطؤ من الكادر الطبي والإداري في المشفى بما يشي بانتشار ثقافة العنف بين القائمين عليه. وشملت ممارسات التعذيب أساليب شكّلت قاسماً مشتركاً في إفادات الشهود على هامش محاكمة علاء م.، بما في ذلك الأسلوب المعروف "بالشبح"، والصعق بالكهرباء، والضرب المبرح، وغير ذلك من أشكال العنف البدني. وعلاوة على ذلك، يكشف التقرير النقاب عن الاستخدام المنهجي للتعذيب النفسي، والعنف الجنسي، بهدف تحقيق غرض صريح قوامه نزع الصبغة البشرية عن المعتقلين، وكسر عزيمتهم وتحطيم نفسياتهم.

2. الإهمال، وتواطؤ الكادر الطبي

يبرز من بين الحقائق المروّعة التي يكشف التقرير النقاب عنها تواطؤ الكادر الطبي في مشفى تشرين العسكري في تعذيب المعتقلين والإساءة إليهم. ويصف التقرير قيام أطباء المشفى بتصميم صيغتهم الخاصة من ممارسات التعذيب المحاكية لأسلوب "يوزيف مينغيلي"، بما في ذلك حرمان الضحايا من الطعام والدواء، وإعطاؤهم جرعات أدوية غير مناسبة أو قاتلة. وتفاقم هذه الخيانة لمبادئ وأخلاقيات مهنة الطب من معاناة المعتقلين، ويوازي هذا التصرف فداحة التهم المسندة إلى علاء م. بارتكاب جرائم مشابهة في مشافي حمص ودمشق. وتشمل التفاصيل التي تكشفت أثناء محاكمة علاء م. مزاعم بقتل المرضى عمداً باستخدام الضرب والأدوية. ويضيف التقرير المزيد من الأدلة التي تُثبت استخدام المشافي في عموم أنحاء البلد كمنشآت وأقبية لتعذيب السجناء السياسيين، الأمر الذي يُبرز مدى الحاجة الماسّة والملحّة لتحقيق المساءلة وإصلاح المنظومة الطبية.

3. حالات الاختفاء القسري، واستخدام المقابر الجماعية:

عقب وصف ما يُمارس بحق المعتقلين من تعذيب وإعدامات، يعرض التقرير إلى تفاصيل ما تمارسه المشافي عقب ذلك من إخفاء قسري للمعتقلين ودفن جثامين المتوفّين منهم في مقابر جماعية. وأما من قضى نحبه من المعتقلين داخل الفروع الأمنية، فلم تتمّ إحالته إلى المشفى العسكري لمتابعة الإجراءات حسب الأصول، وإنما بادرت الأجهزة الأمنية بنفسها إلى دفنهم بصمت وتحت غطاء من السرّية. ومن أجل التغطية على هذه الجرائم، تم تحويل المقابر العادية إلى قبور جماعية، ما يصعُب معه تحديد مكان دفن رفات المفقودين والتعرّف إلى هويات أصحابها. كما لا تتوفر الوثائق الأصولية في أغلب الأحيان، وإذا توفّرت، فإنها تشمل معلومات مغلوطة حول سبب الوفاة. ولم يكتفِ الأطباء بالمشاركة في ممارسات التعذيب وحسب، وإنما تواطؤوا في إعداد شهادات وفاة مزوّرة في مشفى تشرين العسكري. وتؤيد هذه التفاصيل الادّعاءات الموجّهة إلى علاء م. أثناء المحاكمة التي كُشف النقاب خلالها عن مزاعم بقتل المعتقلين، وتزويد ذويهم بشهادات وفاة مزوّرة تشمل معلومات مغلوطة. وتتيح هذه الممارسة المنهجية للسلطات أن تتخلص من الأدلة على جرائم النظام السوري والتمويه عليها.

4. الرابط مع محاكمة علاء م.، والجرائم ضد الإنسانية:

وثمة تشابه صادم بين ما يرد في التقرير من معلومات وتفاصيل بخصوص مشفى تشرين العسكري، ولا سيما النتائج التي توصل إليها بشأن تواطؤ الكادر الطبي، وفحوى الادعاءات الواردة في سياق محاكمة علاء م. الذي سبق له العمل في مشفى تشرين، وهو ما ينسحب على غيره من عناصر الجيش السوري الذي يشير التقرير إلى ضلوعهم في ممارسة التعذيب في المشفى نفسه. وعلاوة على ذلك، تشير ادعاءات الشهود بحق علاء م. بخصوص مشاركته الطوعية في التعذيب، بل والتلذذ بممارسته أثناء عمله طبيباً مدنياً في المشفى، إلى وجود ثقافة منتشرة بشكل واسع ومنهجي قوامها الإساءة والإهمال في عموم المرافق الطبية في سوريا. كما كشف التقرير ونتائج محاكمة علاء م. عن الدور المحوري للجهاز الطبي السوري في تيسير عمليات الاعتقال، والتعذيب، والقتل العمد، والتخلص من جثامين المتوفّين، وطمس الأدلة بموافقة الدولة من أجل إخفاء مصير المعتقلين عن ذويهم. ويمثّل تحويل المؤسسات والمرافق الطبية إلى سلاح تشهره الدولة في وجه شعبها، انتهاكاً جسيماً للمبادئ الأساسية لمهنة الطب. ولا يقتصر انتشار ثقافة الإساءة والتواطؤ بشكل منهجي داخل الجهاز الطبي على كونه خيانة للأمانة وحسب، وإنما يشكّل خرقاً وانتهاكاً صادماً للمبادئ والأخلاقيات الناظمة لتلك الأمانة المهنية. ولا بد من التصدّي لهذه القضية المتجذّرة من أجل إرساء قواعد فعلية ودائمة لمرحلة العدالة الانتقالية في سوريا، وبخلاف ذلك، سوف يظل الجهاز الطبي السوري في حالة حرب مع الشعب، مع أنه من المفترض أن يكون الجهاز في خدمة ذلك الشعب أساساً.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.