1 min read
بعد 42 عاماً على مجزرة حماة: إحالة رفعت الأسد إلى محكمة سويسرية
المحكمة الجنائية الفدرالية السويسرية - NAC, CC BY-SA 4.0

بعد 42 عاماً على مجزرة حماة: إحالة رفعت الأسد إلى محكمة سويسرية

في 12 آذار/ مارس الجاري، أصدرمكتب المدّعي العام السويسري لائحة اتهام بحق نائب الرئيس السوري الأسبق، رفعت الأسد، تشمل تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على خلفية مجزرة حماة في عام 1982. ويأتي الإعلان رسمياً عن توجيه لائحة الاتهام أعقاب إصدارمذكرة توقيف دولية بحقه في عام 2021.

ومعلومٌ أن رفعت هو عم الرئيس الحالي بشار الأسد، وشقيق الرئيس السابق حافظ الأسد. وتولّى رفعت منذ مطلع عام 1971 قيادة سرايا الدفاع، وهي منظمة شبه عسكرية خاصة عملت بشكل مستقل عن الجيش العربي السوري. وفي سبعينات وثمانينات القرن الماضي، واجهت الحكومة السورية تنامي معارضة الفصائل الإسلامية لها ومن بينها حركة الإخوان المسلمين في سوريا. وفي شباط /فبراير 1982، سيطرنحو 200-500 مسلح مرتبطين بالمعارضة على مدينة حماة، فأصدر الرئيس حافظ الأسد حينها أوامر بالرد عسكرياً، وأرسل شقيقه رفعت بصفته قائداً لسرايا الدفاع كي يتولى الإشراف على العملية.

واستمر حصار حماة 27 يوماً واستخدمت فيه قوات النظام بقيادة سرايا الدفاع تحت إمرة رفعت الأسد سلاحَي الطيران والدبابات لتدمير مناطق واسعة من المدينة. ودُمّر حينها ثلثا أحياء المدينة، وكُلف الجنود بتمشيط أحياء المدينة من باب إلى باب بحثاً عن المسلحين، وأقدموا على قتل المدنيين عشوائياً في الأثناء. وعلى الرغم من تفاوت التقديرات بخصوص أعداد القتلى التي تراوحت ما بين 10 آلاف و40 ألف قتيل، تعرض الآلاف للاختفاء القسري، وشكّل المدنيون غالبية القتلى، فيما تعرض آخرون كُثر للاعتقال والتعذيب والإعدام بشبهة الانتماء إلى الإخوان المسلمين. وكانت مذبحة حماة في عام 1982 بمثابة إجراء قمعي ووحشي يهدف إلى إرسال رسالة قوية مفادها عدم التهاون أبداً مع أي شكل من أشكال معارضة النظام، وتحقيقاً لهذه الغاية، تفاخر رفعت الأسد بعدد الضحايا الذين قتلهم قواته. وحتى اندلاع الثورة في عام 2011، ظل رجل الشارع العادي في سوريا يعبّر عن مجزرة حماة بصورة تلطيفية وحسب، ولم يتحدث النظام علناً عن تلك الانتفاضة، أو العملية العسكرية التي جاءت رداً عليها، ليجعل الصمت المطبق هو العرف السائد فيما يتعلق بذكر هذه المجزرة.

وعقب تداعيات محاولة رفعت الانقلاب عسكرياً على شقيقه الرئيس السابق حافظ الأسد في عام 1984، عُزل رفعت من منصبه في قيادة سرايا الدفاع، ومُنح منصب نائب رئيس الجمهورية، وهو منصب شرفي إلى حد كبير. ثم فرّ إلى أوروبا عقب تهميش دوره في المشهد السياسي السوري، وعاش في المنفى في فرنسا، ثم سُمح له بالعودة إلى سوريا في 2021 تفادياً لتنفيذ الحكم الصادر بسجنه 4 سنوات على خلفية تحقيق فرنسي في جرائمه المالية. وأثناء وجوده في فرنسا، حرّرت منظمة Trial International العاملة في مجال العدالة الدولية بلاغاً جنائياً ضده في سويسرا المجاورة، وهي الشكوى التي آتت أُكلها بصدور قرار إحالته إلى المحكمة بتاريخ 12 آذار/ مارس الجاري.

وتورد لائحة الاتهام ادعاءات بضلوع رفعت الأسد في عدد كبير من جرائم القتل العمد والتعذيب والمعاملة القاسية والاحتجاز غير القانوني، المرتكَبة إبّان حصار حماة في عام 1982. وتشكل الوقائع المزعومة انتهاكاً لأحكام المادة 109 من قانون العقوبات العسكري في سويسرا، وهو القانون النافذ إبان وقوع مجزرة حماة، كما تندرج تلك الادعاءات ضمن جرائم الحرب بموجب أحكام المادة 3 من اتفاقيات جنيف الأربع. ويأخذ القانون السويسري بمبدأ الولاية القضائية العالمية على صعيد بعض الجرائم المحظورة في القانون الدولي، وهو ما يتيح إمكانية التحقيق مع الأفراد وملاحقتهم قضائيا بتهمة ارتكاب جرائم من هذا القبيل، حتى لو ارتُكبت خارج أراضي سويسرا، وعلى أيدي أشخاص من غير حمَلة الجنسية السويسرية.

ومع أنه من غير الوارد أن يحضر رفعت الأسد إلى سويسرا، فمن الممكن تحريك إجراءات محاكمته غيابياً. وستواجه المحاكمة عقبات أخرى من قبيل إبراز أدلة كافية وموثوقة، وخصوصاً ما يتعلق بإفادات الشهود ولا سيما أن تلك الأحداث وقعت قبل 40 سنة. ولحسن الحظ، فلن يستطيع فريق الدفاع عن رفعت أن يستغل بند التقادم للدفع بردّ الدعوى لأن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم.

ولم يسبق أن كانت مجزرة حماة الشهيرة محور إجراءات وقضايا جنائية نظراً لعدم ملاحقة مرتكبيها أمام القضاء المحلي في سوريا، ولأنها جرائم سبقت انطلاق الجهود المبذولة دولياً في سياق العدالة الجنائية؛ إذ شُكلت المحكمتان الخاصتان بجرائم الحرب في كل من يوغسلافيا السابقة، ورواندا في تسعينات القرن الماضي، ودخل نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ في عام 2002. ولا تمتلك هذه المحاكم الولاية والاختصاص لملاحقة الجرائم المرتكبة قبل تاريخ إنشائها. كما لم تصدّق سوريا على نظام روما الأساسي، ما يجعلها في جميع الأحوال غير خاضعة لنطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وولايتها.

وعلى الرغم من ذلك كله، تمثل المحاكمة السويسرية خطوة مهمة ستسلط الضوء على مجزرة حماة، وستشجّع الجهود التي انطلقت إبان احتجاجات عام 2011 من أجل كسر جدار المحظور والمحرم الذي لطالما حال دون الخوض في الجرائم التي ارتُكبت حينها. كما قد تصبح هذه المحاكمة أنموذجاً لفتح تحقيقات جنائية مستقبلاً في جرائم الحرب الخطيرة التي ارتُكبت إبان الانتفاضات السورية على اختلاف فتراتها. كما سيحرص المراقبون على توثيق وتسجيل أي روايات أو إفادات جديدة ستكشف المحاكمة السويسرية النقاب عنها.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.